شادي صلاح الدين (لندن)

أصبح استمرار عضوية تركيا في حلف شمال الأطلسي «الناتو» مثار انتقاد العديد من المحللين ووسائل الإعلام الأميركية التي أشارت إلى أن شراء أنقرة منظومة صواريخ إس - 400 الروسية، على الرغم من الاعتراضات الشديدة من جانب الولايات المتحدة وأعضاء الناتو الآخرين، أدى إلى دعوات جديدة لطرد تركيا من الحلف.
وذكرت صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية في مقال رأي كتبه «تيد جالين كاربنتر» أن مثل هذه الدعوات ظهرت من قبل، ومعظمها استجابة للإجراءات القمعية المتصاعدة في البلاد في عهد الرئيس رجب طيب أردوغان، لكن هذه المرة كان الغضب أعمق وأكثر انتشاراً.
وأضاف الكاتب في مقاله أن الشكاوى من بشاعة الأفعال الإجرامية التي تحدث داخل تركيا تثير العديد من الدول الغربية، موضحاً أن القلق تسرب أيضاً وبقوة إلى داخل حلف شمال الأطلسي الذي يشعر أن لديه شريكاً غير موثوق به بشكل خطير في السياسة الأمنية.
وأكد أن قرار واشنطن بطرد تركيا من المشاركة في برنامج المقاتلات F-35 يعكس بالتأكيد عدم الارتياح الأميركي للإجراءات التي تتخذها أنقرة بصورة عامة.
وأشار الكاتب في مقاله إلى أن مسألة سلوك تركيا الاستبدادي مؤخراً تثير أسئلة أساسية حول معايير الناتو وأولوياته في القرن الحادي والعشرين، موضحاً أنه خلال الحرب الباردة، كانت أهداف الحلف واضحة، كان ردع العدوان السوفييتي المحتمل هو المهمة الأساسية، بجانب تحقيق وحدة أكبر بين ديمقراطيات أوروبا الغربية، ومنع إعادة تأميم الدفاعات وتوطيد الالتزام الأمني للولايات المتحدة تجاه أوروبا. وشدد على أن القمع الداخلي المتصاعد داخل تركيا من جراء سياسات نظام أردوغان يثير الإحراج للحلف ويحيد تماماً عن الأهداف التي وضعها الناتو لسياسات أعضائه، مشيراً إلى قيام الرئيس التركي بتعزيز سلطاته بشكل كبير، وقوض النظام القضائي الذي كان مستقلاً في البلاد، ورتب لأصدقائه السياسيين شراء وسائل الإعلام الأكثر نفوذاً، وسجن المئات من الصحفيين المستقلين والمعارضين السياسيين، واستخدم الانقلاب العسكري الفاشل في يوليو 2016 كذريعة لتطهير الجيش والمحاكم والنظام التعليمي للأفراد الذين اعتبرهم أعداء.
وأضاف المقال أنه على الرغم من استمرار إجراء الانتخابات - بما في ذلك الانتخابات الحاسمة الشهر الماضي التي اختار فيها الناخبون معارضاً لأردوغان كعمدة لبلدية إسطنبول - إلا أنه من الصعب على نحو متزايد اعتبار تركيا ديمقراطية حقيقية، والأكثر إثارة للقلق هو أن أعضاء آخرين في حلف الناتو يظهرون علامات مماثلة على الاستبداد، وإنْ لم يكن الأمر بهذا القدر من التقدم. وشدد المقال على أن مثل هذه التطورات تعني أنه يتعين على الزعماء الغربيين تحديد ما إذا كان الناتو منظمة أمنية بحتة أو ما إذا كان يجب على الأعضاء الالتزام بالمعايير الأساسية لحقوق الإنسان والحكم الديمقراطي، موضحاً أن تركيا فشلت فشلاً ذريعاً في الامتثال لهذه المعايير، مضيفاً أنه لا يمكن لقادة حلف الناتو التهرب من مسألة هوية الحلف لفترة أطول.
وأضاف: «بالنظر إلى السلوك الخارجي لأنقرة، لا يمكن لأعضاء الناتو الآخرين أيضاً تجنب مسألة ما إذا كانت تركيا شريكاً أمنياً موثوقاً بدرجة معقولة»، موضحاً أن شراء نظام صواريخ إس 400 انتهاك خطير لسياسة التحالف، كما أنه من غير المحتمل أن هذه الأسلحة يمكن دمجها في الدفاعات الجوية الشاملة لحلف الناتو.
وأوضح أن صفقة الصواريخ الروسية هي ببساطة أحدث مثال لتقارب أردوغان المتزايد مع حكومة فلاديمير بوتين، وأنه من المشكوك فيه بشكل متزايد، على سبيل المثال، أن تستمر أنقرة في دعم مجموعة العقوبات الاقتصادية التي فرضتها القوى الغربية على موسكو.
وقال الكاتب إنه قد يتصور البعض أن واشنطن مترددة في دعم طرد تركيا من الناتو أو قطع العلاقات الأمنية مع أنقرة، خاصة وأنه طالما اعتبر القادة الأميركيون تركيا حجر الزاوية في الجهة الجنوبية الشرقية لحلف الناتو ولاعباً حيوياً في المنطقة، خاصة مع استمرار وصول الولايات المتحدة إلى قاعدة إنجرليك الجوية التي تعتبر عنصراً أساسياً في قدرات واشنطن في المنطقة، إلا أن الوصول إلى «أنجرليك» ليس سبباً كافياً للولايات المتحدة لدعم الاحتفاظ بعضو استبدادي فيما يزعم أنه تحالف ديمقراطي، وبالتأكيد ليس سبباً مناسباً للاحتفاظ بشريك أمني غير موثوق به ومزدوج.
وشدد الكاتب في نهاية مقاله أن تركيا لم تعد حليفاً موثوقاً به أو مرغوباً فيه على أساس القيم السياسية أو الاعتبارات الأمنية، مطالباً الولايات المتحدة وحلف الناتو بالانفصال عن أنقرة.